مسقط-كشفت الروائية المصرية الدكتورة رشا سمير عن تجربتها الأدبية الثرية وكواليس كتابة روايتها الأخيرة "المسحورة". جاء ذلك في حوارها مع صحيفة العُمانية على هامش معرض مسقط الدولي للكتاب 2025. أوضحت سمير أن زيارتها للمغرب وحضارة الأمازيغ ألهمتها فكرة الرواية، سعياً منها لتصحيح الصورة النمطية عنهم وإبراز تسامحهم، مشيرة إلى أن واحة سيوة المصرية مثلت نقطة التقاء للحضارتين في عملها. إلهام الحضارة الأمازيغية والرحلة إلى سيوة قالت الدكتورة سمير إن فكرة "المسحورة" كانت بمثابة حلم راودها خلال زيارتها للمغرب، حيث انبهرت بعمق حضارته وفتنة طبيعته. هذا الانبهار قادها إلى التعمق في فهم الحضارة الأمازيغية، لتكتشف بنفسها الصورة الواقعية التي تختلف جذريًا عن الأحكام المسبقة والتصنيفات العرقية. وأكدت أن الأمازيغ يتمتعون بروح تسامح وطيبة عالية، مناقضة للصورة الذهنية النمطية التي قد تربطهم بالعنف. استهوت الكاتبة فكرة الاختلاف والغرابة التي تتميز بها هذه الحضارة بأساطيرها وحكاياتها، فقررت أن تجعلها محورًا لعملها الروائي. وخلال بحثها، اكتشفت أن واحة سيوة في مصر كانت محطة هامة للأمازيغ، حيث استقروا وأصبحوا جزءًا من امتداد حضارتهم. هذا الاكتشاف دفعها لجعل الرواية جسرًا يربط بين البلدين، من خلال رحلة بطل الرواية من المغرب إلى سيوة على حدود ليبيا. التحديات: الأمازيغية كلغة منطوقة والعودة من منظور العين لم تخفِ سمير التحديات الكبيرة التي واجهتها في الكتابة عن هذه الحضارة المختلفة وعن منطقة بكر كسيوة يجهلها الكثيرون. وأشارت إلى أنها استعانت بمراجع عديدة من المغرب، وتلقت دعمًا كبيرًا من أصدقائها المغاربة بالكتب والمعلومات. واعتبرت نفسها أول كاتب مصري يطرق هذا الباب غير المطروق، مؤكدة أن الكتابة عن المألوف أسهل بكثير من خوض غمار منطقة مجهولة. ولفتت إلى صعوبة الاستعانة بالمصطلحات الأمازيغية التي لم تكن مدونة في كتب مصرية، بل كانت لغة منطوقة في سيوة، مما جعل مهمة مطابقة اللغتين والوصول إلى معلومات دقيقة تحديًا مضاعفًا. وعن الرحلة الطويلة التي استغرقتها كتابة الرواية، وصفتها سمير بأنها كانت مثمرة وغنية رغم صعوبتها. وأكدت أن هذه الرحلة تضمنت أربع زيارات لسيوة وبحثًا معمقًا وحوارات مستمرة مع أهل الواحة. أشارت سمير إلى أن زياراتها لسيوة منحتها سكونًا وهدوءًا داخليًا، وأنها كونت صداقات عميقة مع أهل الواحة الذين أصبحوا بمثابة أهلها. وعبرت عن سعادتها الغامرة بفرحتهم بخروج الرواية إلى النور، والذي وصل إلى حد إطلاقهم لقب "سفيرة سيوة في العالم" عليها، وهو لقب تعتز به كثيرًا. وعن أصعب لحظة واجهتها أثناء الكتابة، ذكرت سمير أنها اللحظة التي تصل فيها الرواية إلى العقدة التي يجب الإفصاح عنها بعد تصاعد الأحداث، حيث يجب حل جميع الخيوط والإجابة عن التساؤلات. وفي "المسحورة"، كان السؤال المحوري منذ البداية هو "من هي المسحورة؟". وفي تلك اللحظة، شعرت بتكاثر الأحداث وتشابكها، مما استدعى العودة إلى البداية والتقدم بثقة من جديد، مؤكدة أنها لم تفكر أبدًا في التوقف. وروت أنها شرعت في الكتابة قبل زيارة سيوة، وعندما عادت منها، قامت بتمزيق 150 صفحة مكتوبة لإعادة الكتابة من منظور العين لا المراجع الصماء، معتبرة هذه المرحلة من أصعب المراحل. الأسطورة والشخصيات النسائية والنقد الأدبي أكدت سمير أن المكان، واحة سيوة تحديدًا، فرض حضوره القوي على قلمها وأضفى على الأحداث خطوطًا درامية جديدة. وأشارت إلى أن شخصيتا تاليس ومبروكة في الرواية هما تجسيد واقعي ودقيق للمرأة في سيوة بين زمنين مختلفين، وقد فرضتا وجودهما على الأحداث بعد لقاء الكاتبة بنساء سيوة. مبروكة تمثل الفتاة السيوية في فترة بعيدة بكل ما عانته من قهر وتسلط مجتمعي، بينما تاليس هي صورة المرأة المتمردة الشجاعة التي تتمنى الكاتبة أن تصبحها المرأة السيوية مستقبلاً. كما أوضحت أن فكرة الاستعانة بالأسطورة لم تكن حاضرة في ذهنها قبل زيارة سيوة، ولكن بعد أن لمست كيف يستعين أهل الواحة والأمازيغ بالأساطير في حواراتهم، قررت أن تكون "الأسطورة" هي مدخل كل فصل والملهم الحقيقي لبطل الرواية. وعن دمج الأساطير الشعبية مثل "صخرة العاشق" في البناء السردي، أكدت سمير أن الأسطورة فرضت نفسها على الأحداث حين تسللت من حكايات أهل الواحة إلى صفحات الرواية، مشيرة إلى أن الأساطير الأمازيغية تمثل عمق ثقافتهم، شأنها شأن العديد من الحضارات الأخرى. وعن التحدي في تقديم ثقافة شعبية غير مألوفة لجمهور واسع، اعترفت بمخاوفها الأولية، لكنها قررت تبسيط المعلومات ودمجها داخل الأحداث بشكل سلس لا يسبب الملل أو الشعور بالغرابة، وهو ما تكلل بالنجاح والحمد لله، حيث لاقت الرواية إعجاب القراء في مختلف الدول العربية. وعلى المستوى الأدبي، أشارت إلى أن النقاد اعتبروا "المسحورة" نقلة نوعية في مسيرتها، ووضعوها في مصاف الروائيين العالميين، معتبرة هذا النجاح توفيقًا من الله. التاريخ والطب وتأثير الثقافة العُمانية وفي معرض حديثها عن مزج الحكايات الشعبية والخيال باللمسة التاريخية في رواياتها، أوضحت سمير أنها من عشاق التاريخ وأن "المسحورة" ليست أول رواية تاريخية لها. وأشارت إلى أن التاريخ يستهويها قارئة قبل أن تكون كاتبة، وأن دراستها العلمية في طب الأسنان ساعدتها في جمع المعلومات وتقديمها بشكل جيد. وترى أن تأثير هذه الروايات على القارئ أشبه بالسحر، حيث تجعله متسمرًا أثناء القراءة ثم تدفعه للبحث والاستفسار عن المزيد. وحول تأثير العمق التاريخي على بناء الشخصيات، أكدت سمير على العلاقة المعقدة بين التاريخ وفن الرواية، مشيرة إلى أن رواياتها التاريخية هي محاولة لتسليط الضوء على المهمشين في التاريخ، الأبطال المنسيين الذين لم يدعوا البطولة. وعن تحديد عناصر معينة من التاريخ لتوجيه رسالة أدبية، أوضحت أنها تبحث عن حدث تاريخي ليكون محور الرواية، مثل عام "المطر الكبير" في سيوة. وفيما يتعلق بالمواضيع الحساسة، أكدت أنها تحاول تسليط الضوء عليها بشكل لا يثير الاستفزاز، مع مراعاة شعور المتلقي. وفي ختام اللقاء، عبرت سمير عن إعجابها الشديد بالثقافة العمانية وعاداتها خلال زيارتها، معربة عن إمكانية استلهام أفكار مستقبلية من مناطق مثل الجبل الأخضر وصلالة ونزوى. كما تحدثت عن تأثير تعدد مهنها على حياتها، مؤكدة أن كل ما تقدمه للثقافة هو متعة وإضافة، وأن الطب والصحافة أثرتا بشكل إيجابي على أدبها. وعن الحركة النقدية، رأت أنها لا تواكب الإبداع وأن الناقد الحقيقي هو القارئ. ولو خيرت أن تعيش داخل إحدى رواياتها، أشارت إلى أنها ستختار تفاصيل رواية "سألقاك هناك" في أصفهان.