“معرض عمّان للكتاب”: إلى طريق المطار مرّة أُخرى
عمان – نشر الصحفي محمود منير في صحيفة العربي الجديد أمس السبت تقريرا عن معرض عمان الدولي للكتاب حمل عنوان” “معرض عمّان للكتاب”: إلى طريق المطار مرّة أُخرى”، أشار فيه إلى المعوقات التي تواجه إقامة المعرض، وصعوبات توفر مقر دائم له، وغير ذلك..
وتاليا نص التقرير:
قرارٌ أول اتّخذَته الهيئة الإدارية التي انتخبها “اتحاد الناشرين الأردنيّين” نهاية الشهر الماضي، بإعادة موقع “معرض عمّان الدُّولي للكتاب”، إلى معرض السيارات الذي يقع على طريق المطار. خطوة تُعيد التظاهرة الثقافية إلى المكان الذي أُقيمت فيه منذ عام 2016، قبل انتقاله العام الماضي إلى “المركز الأردني للمعارض الدولية” في “مكّة مول” غرب عمّان.
يُمثّل القرار محاولة لتصحيح أخطاء تنظيمية وقعت في الدورة السابقة، حيث تمّ تقسيم أجنحة الناشرين إلى ثلاثة أروقة؛ بترقيم مُستقلٍّ لكلّ واحد منها، ما أوقع الزوّار في إرباك شديد نتيجة تكرار أرقام الأجنحة في كلّ رُواق، وكان من الأجدر أن تُصنّف الأروقة جميعُها بترقيم موحَّد لا يُتيحه الموقع غير المخصَّص أساساً لمعارض الكتب.
كما حدثت مشاكل عديدة خلال التنظيم تتعلّق بتأخُّر تثبيت دُور نشر مُشارِكة، كما أنّ المنصّات المخصَّصة لحفلات التوقيع لم تُصمَّم بشكل يُناسب الناشرين، وغيرها من ثغرات أشار إليها الكاتب والناشر الأردني جعفر العقيلي، عضو “إدارية الناشرين” في حديثه إلى “العربي الجديد”، تجعل العودة إلى المكان القديم ضرورة في ضوء عدم توفّر مقرّ دائم للمعرض.
المقرّ الدائم يتطلّب تكاليف عالية جدّاً لا يستطيع أن يتحمّلها “اتحاد الناشرين” – وهو جمعية ثقافية أهلية تأسّست عام 1993 – بحسب العقيلي، الذي أشار إلى أن ذلك يُشكّل تحدّياً كبيراً أمام معرضٍ لم يتحوّل إلى مؤسسة حتى اليوم، حيث لا يزال يُدار من قبل الهيئة الإدارية للاتحاد، والتي تُنتخَب مرّة كلّ ثلاث سنوات، خلافاً لبقية المعارض العربية التي تُشرف عليها هيئاتٌ مُستقلّة تضمُّ إداريِّين وفنيِّين يعملون بشكل مُنتظم طوال العام، وتحدّد لها ميزانيات ثابتة من قبل حكوماتها.
مقابل ذلك، فإنّ “عمّان للكتاب” الذي لا يحظى سوى بدعم رسمي محدود من قبل وزارة الثقافة، وكذلك “أمانة عمّان”، ويتمّ الإعداد له بعمل تطوُّعي غالباً، ما يعني تقلُّب الرؤى والأمزجة لدى القائمين عليه مع تغيُّرهم المستمرّ، لكن الخروج من هذه الحالة يعني تضافر جهود جهاتٍ رسمية وأهلية عديدة من أجل مأسسة المعرض والذي لا يزال مُستبعداً حتى اللحظة، رغم طرح الأمر للنقاش أكثر من مرّة، كما يقول العقيلي.
الخلل الرئيس المتمثّل بالمأسسة والمقرّ الدائم لا حلول جذرية له، ما لم يخضع الملف برمّته لمراجعة جدّية تبدو الحكومة الأردنية عاجزة عن إجرائها في ظلّ تهميشها المُزمن للثقافة، غير أنّ جهوداً تُبذل كلّ عام من أجل رفع “سويّة” البرنامج الثقافي للمعرض، دون أن تُحقّق إضافة نوعية تُذكَر.
يلفت العقيلي، عضو اللجنة الثقافية للمعرض، إلى إمكانية استضافة شخصية أو شخصيّتين وازنتَين في الثقافة العربية، خلال الدورة الحالية، في محاولة لاستقطاب الجمهور ومنح التظاهرة زخماً ثقافياً أكبر، إلّا أنّ شحّ المبالغ المرصودة لفعاليات البرنامج قد تحُول دون ذلك.
في حديثه لـ”العربي الجديد”، لا يرى الكاتب نبيل عبد الكريم، نائب رئيس “رابطة الكتّاب الأردنيّين”، أن حضور مثل هذه الشخصيات لا يُغيّر كثيراً من واقع البرنامج الثقافي الذي يفتقر كما في جميع الدورات السابقة إلى قضايا مُلحّة وراهنة تُخصّص لها ندوات لمقاربتها، مُشيراً إلى أنّ العناوين المطروحة في الندوات فضفاضة وعامّة كما أنّ هناك تفاوتاً كبيراً في مداخلات المتحدّثين خلالها، يُعزى إلى تغليب “الشللية”، ومبدأ التنفيعات في اختيار العديد من المشاركين.
وتغيب تلك العلاقة الجدلية بين صناعة النشر والثقافة عن مفردات البرنامج الثقافي، وفق عبد الكريم، الذي يُنبّه إلى ضرورة أن يناقش المعرض أبرز تطوّرات هذه الصناعة وما تُواجهه من عوائق عربياً، أو تناوُل تأثير الذكاء الاصطناعي على الكتابة والإبداع، وغيرها من العناوين التي يُشكّل اقتراحُها خطوة أولى لتحسين البرنامح، ثم اختيار أصحاب الكفاءة والاختصاص للحديث عنها.
لا يُهمل عبد الكريم مسألة شكليّة، لكنها تُفسد تنظيم الندوات كلّ عام، بسبب عدم وجود قاعات مخصّصة لانعقادها، إذ إنّ المَوقع الذي سيعود إليه المعرض هذا العام، تُشيّد فيه خيمة لاستضافة المنتدين والمحاضرين المشاركين، حيث يدخل إليها الزوّار ويخرجون منها على نحو فوضوي، بينما يُمكن نقل الفعاليات المُقامة إلى مراكز ثقافية متخصّصة.
بانتظار تحديد ملامح البرنامج الثقافي، أعلن “اتحاد الناشرين” الباحثة والأكاديمية الأردنية هند أبو الشعر المتخصّصة في التاريخ الحديث شخصية العام الثقافية، ولها العديد من المؤلّفات والدراسات مثل “بناء الدولة العربية الحديثة” (مجلّدان)، و”القدس في أواخر العهد العثماني 1908 – 1914″، و”تاريخ شرقي الأردن في العهد العثماني (1516 – 1918)”، و”دراسات في تاريخ الأردن الاقتصادي والاجتماعي 1894 – 1938″، إلى جانب مجموعات قصصية منها “شقوق في كفّ خضرة”، و”الوشم”، و”مارشات عسكرية” وغيرها.
كما قرّر الاتحاد منذ تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، اختيار دولة قطر ضيف شرف المعرض الذي يُفتتح في الحادي والعشرين من الشهر المقبل ويتواصل حتى نهايته، ولم يعلن حتى اللحظة تفاصيل هذه المشاركة لسادس بلد عربي بعد سَنّ هذا التقليد في عام 2016.
من جهته، يعتقد الناشر ماهر كيالي مدير “المؤسسة العربية للدراسات والنشر” أن الأردن بحاجة إلى صالة معارض كبيرة تؤسّس باستثمار حكومي، معدّة بأفضل التجهيزات التقنية واللوجستية، يسهل الوصول إليها، على غرار معظم البلدان العربية التي تمتلك مثل هكذا صالات تحتضن معارض تمثّل مختلف القطاعات الاقتصادية والثقافية وغيرها.
مواصفات تُخالف الموقع السابق في “مكة مول”، كما يرى الكيالي حيث حالت الأعمدة دون توزيع الأجنحة بشكل يماثل المواصفات والمعايير المتّبعة في معارض الكتب حول العالم، أدّى سوء التنظيم إلى صعوبة وصول الزوّار إلى العديد من الأجنحة المتوارية، ويفتقد الموقع الحالي، على طريق المطار، لإمكانيات عدة، وإن كان يسهل الوصول إليه وتنظيمه أفضل حالاً.
وينبّه الكيالي في حديثه لـ”العربي الجديد” إلى أن الدولة، بالاشتراك مع القطاع الخاص، من يمكنها امتلاك أراض مخصّصة لإقامة أرض معارض، وتتحمّل تكاليف إقامته إلى حين تحقيق عوائد بعد سنوات، وعليه يبقى عبء مسؤولية تنظيم معرض الكتاب على كاهل “اتحاد الناشرين الأردنيّين”، الذي يعاني من شحّ الإيردات وضعف الكوادر البشرية، ولا تتعدّى شراكته مع وزارة الثقافة وأمانة عمّان الناحية الشكلية، ولا يمكن لهذه الجهات مجتمعة تنظيم نشاط ثقافي اقتصادي كبير مثل معرض الكتاب.
وبخصوص البرنامج الثقافي، يستعيد الكيالي واقعة حدثت منذ أعوام حين استضاف الاتحاد المفكّر اللبناني علي حرب، ولم يمنح تكاليف سفره وإقامته التي لم تصل إلى ألف دولار، حيث يتهرّب أحد الشركاء في تنظيم المعرض من دفع المبلغ حتى اليوم، مبيّناً أن لا سبيل للنهوض بالبرنامج بلا ميزانية كافية لاستضافة كتّاب بارزين في العالم العربي.
ويخلص إلى أنه بعيداً عن وجود دعم حكومي للناشر الأردني، فإن الميزة الوحيدة لـ”عمّان للكتاب” أنه يقام سنوياً بشكل منتظم، وتحتاج أيضاً دور النشر الأردنية إلى إقامة معرض حيث لا تستوعب مكتبات وسط البلد قائمة إصداراتها كلّ عام. وما عدا ذلك، على المعرض أن يقدّم إضافة جديدة في تنوّع دور النشر المشاركة فيه وتقديم الكتاب بأسعار معقولة، وأن يمثّل الدولة مثل بقية المعارض في الدول العربية الأخرى.
اكتشاف المزيد من أخبار معارض الكتب
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.