الأخبارالمؤلفون

بعد 4 سنوات على وفاته.. حوار غير منشور مع المترجم الكبير صالح عَلَماني!

عمان (بي إف نيوز)- نشرت صحيفة الرياض السعودية حوارا أجراه الزميل الصحفي السعودي عبدالله الحسني مع المترجم العربي الكبير الراحل صالح علماني خلال زيارته لمعرض الكتاب الدولي بالرياض عام 2018.

وذكر الصحفي الحسني أن هذا الحوار الصحفي ” لم ينشر في حينه بعد أن تم تسليم المادة بعد تفريغها للزملاء في القسم الثقافي وقتها بسبب فقدانه مع زحمة المواد، وصادف أيضاً أن فقد من الزميل الحسني التسجيل الصوتي للحوار، إلى أن عثر عليه بعد سنوات، ليتم تفريغه مجدداً؛ ونشره في صحيفة الرياض ليقينه أنه حوار تاريخي مهم لأنه سلط الضوء على قضايا مهمة حول الترجمة والفن الروائي وغيرها من قضايا تلامس القارئ العربي من وجهة نظر المترجم صالح علماني الذي لم يكن مترجماً عادياً، كما وصفه الحسني.

وتاليا نص الحوار:

لا يغيب عن ذهن المثقف العربي؛ خصوصاً العاشق لفن السرد والرواية أهمية الدور والقيمة الثقافية للمترجم العربي الكبير الراحل صالح علماني، الذي نقل لقرّاء العربية كنوز السرد وفنونه من رواية وقصّ ودراسات تاريخية ونقدية لأدب أمريكا اللاتينية، بل إنه كما يروي في هذا الحوار ساهم في تعليم الروائيين العرب الفن الروائي وفن الألاعيب الروائية عبر ترجماته العديدة لأفذاذ هذا الفن.

وبرغم عدم تعويله على العائد المادي من الترجمة، وزهد ما يتقاضاه منها إلا أن الشغف والإخلاص لهذا الفن هو دافعه بالإضافة إلى المحبة التي حظي بها من قرائه على امتداد عالمنا العربي.

هذا الحوار جرى مع المترجم العربي الكبير خلال زيارته لمعرض الكتاب الدولي بالرياض عام 2018م؛ إلا أنه – ولسوء الحظ – لم ينشر في حينه بعد أن تم تسليم المادة بعد تفريغها للزملاء في القسم الثقافي وقتها بسبب فقدانه مع زحمة المواد، وصادف أيضاً أن فقد مني التسجيل الصوتي للحوار.

ويشاء القدر أن أعثر عليه بعد سنوات، ليتم تفريغه مجدداً؛ ونشره هنا ليقيني بأنه حوار تاريخي مهم؛ فصالح علماني ليس مترجماً عادياً، كما أنه في هذا الحوار سلط الضوء على قضايا مهمة حول الترجمة والفن الروائي وغيرها من قضايا تلامس القارئ العربي أترككم مع تفاصيلها:

  • سبق أن ذكرت في إحدى مقالاتك أن الصدفة هي التي قادتك إلى الترجمة؟

ربما أكون قد ذكرت هذا الكلام، ولكن لا أذكر متى ذلك، وفي ذات الوقت فإن الصدفة هي بالفعل التي تقود كل إنسان إلى مصائر لم يكن يتوقعها.. إن المخترع مثلاً يخترع بالصدفة ولم يولد مخترعاً، وكذلك الكاتب لم يولد كاتباً وإنما تجربة الحياة دفعته وخبراتها دفعته نحو اتجاه معين لم يكن يفكر فيه، فهناك كتاب وروائيون كتبوا كتباً وروايات عظيمة ولم يفكروا في أن يكونوا كتاباً، وأنا كذلك لم أكن أفكر أن أكون مترجماً.. بل كنت أفكر في ان أكون كاتباً أو صحفياً مثلكم.. إذن الصدفة هي التي جعلتني أكون مترجماً.

لقد ترجمت رواية صغيرة لاقت رواجاً وأثارت إعجاباً كبيراً وهي ” ليس للكولونيل من يكاتبه”، وصدرت تقريباً عام 1979م كانت أقل من 100 صفحة لغارسيا ماركيز، وهي بلا شك كانت مصادفة رائعة سعدت بها أيما سعادة.

  • ثمّة تساؤل حول اسمك هل هو عِلماني أم عَلَماني؟

الصحيح هو عَلَماني؛ فنحن من قرية اسمها “عَلْمى”، والنسبة إليها تكون علَماني بفتح العين واللام، وليس عِلماني.

  • باعتبارك الآن اسماً كبيراً في عالم الترجمة لما نلته من شهرة وذيوع وانتشار كيف حققت هذه الشهرة وهذا النجاح؟

في الحقيقة عندما أقوم بأي عمل ما إنما أقوم به بكل جدية وإخلاص وبنية الوصول إلى الأفضل، وحريص أن أكون بارعاً ومتميزاً، وسبق أن عملت في النجارة وكنت متميزاً، وعملت كذلك نادلاً في المقاهي وكنت متميزاً، وعملت في مجالات عديدة، وكنت أبذل كل جهدي بأن أكون عند حسن ظن مسؤولي العمل.. إن الجدية وحب العمل هي سر الوصول إلى مراتب الشهرة والتميّز.

  • هل ترجماتك منحصرة فقط في القصص والأعمال الروائية أم لديك أنشطة أخرى؟

في الحقيقة إنني ترجمت العديد من الدراسات النقدية، وترجمت كتباً تاريخية، وترجمت كتباً تاريخية عديدة عن أمريكا اللاتينية ما قبل الاستعمار الإسباني، ما يسمى ما قبل المرحلة الكولمبية، وهو عبارة عن كتاب ضخم قمت بترجمته. وهو أول كتاب يُترجَم حول تاريخ أمريكا اللاتينية.

  • ما سر تركيزك على أمريكا اللاتينية؟

أدب أمريكا اللاتينية الآن هو الأول في العالم، وربما ساعد هذا في انتشار ترجماتي، وأنا لم أترجم لأهم الروائيين في العالم وهي قارة بكر.. وبشكل مفاجئ ظهرت فيها موجة كتاب رواية عاتية اجتاحت العالم بأسره، وشاءت الظروف أن أكون أنا المترجم باللغة العربية، وحققت نجاحاً كبيراً وظللت أواكب هذا النجاح.

قمت في جولة على الدار التونسية وفهمت من الإخوة أنهم بصدد ترجمة رواية زوربا القرن العشرين التي ترجمها جورج طرابيشي ويقولون: إنه ربما تقع عليك الاختيار لأن جورج طرابيشي كاتب مفكر وقد قتل الحس الإبداعي في الرواية وربما ترجمتك تعطي الرواية بعداً آخر..؟

هذه الرواية أحبها وأحرص على قرأتها من حين لآخر، ولأن لها عدة ترجمات باللغة العربية فلم أفكر في ترجمتها.. واحببت الترجمات التي قرأتها ومنها الإسبانية، وهي رواية جميلة ومهما أساء المترجم إليها تبقى جميلة.

  • بعد هذا العمر من العمل في الترجمة كيف ترى مستقبل الترجمة في العالم العربي إذ ليس لدينا صالح علماني آخر؟

بلا شك سيكون هناك صوالح آخرون وأن الأمة العربية لو أنجبت ستنجب مترجمين مبدعين والجدير بالذكر أن هناك عدداً كبيراً من الجامعات العربية لديها أقسام وكليات لتدريس اللغة الإسبانية وبعض اللغات.. هؤلاء الطلاب لابد أن يظهر منهم مترجمون تجاريون، ومترجمون في السلك الدبلوماسي.. ومع الخبرة والدربة سيكون هناك مدربون مبدعون، وسيكون هناك العديد من المترجمين الذين اتصفت أعمالهم بالإبداع.

  • هل هناك مترجم معين من العالم العربي ترى أنه امتداد لك؟

بصراحة أنا لست متابعاً لهذه القضية هناك شباب كثيرون يعملون بجهد ونشاط ومحبة ويحبون عملهم وسينجحون بلا أدنى شك.. وكما ذكرت لك أن من يعمل بكل جد وإخلاص سينجح.

  • هل لديك بحوث في مجال الترجمة؟ وهل نظام معين تتبعه؟

إنني أعمل لساعات طويلة، أحرص على قراءة العمل قبل ترجمته عدة مرات وليست مرة واحدة، وعندما أترجم وأشعر بالتعب أستريح قليلاً في قراءة ما سأترجمه لكي أتأكد من حسني فهمي للنص.. في القراءة الأولى يكون المترجم مستغرقاً في جمالية العمل الذي يقرأه ولا ينتبه إلى بعض التفاصيل، أما القراءة الثانية أو الثالثة تساعده في اكتشاف تفاصيل أساسية في الصنعة، هذه أمور مهمة في الترجمة وليس فقط أن نستمتع بالعمل وأن نستكشف الصنعة في العمل بل المهم التعرف على الألاعيب التي لعبها الكاتب في عمله هذا.. إن تعدد القراءات تساعدنا على اكتشاف أعماق العمل الأدبي بسرعة.

  • هل أنت راضٍ عن الترجمة وهل هناك محفزات للمترجم لكي يبدع؟

أنا شخصياً راضٍ عن عمل المترجمين بشكل عام، أما عن المحفزات المادية فهي بائسة جداً جداً. ولكن حب العمل هو الذي يغطي على ضعف المحفزات المادية، وإن محبة الناس لي ولعملي أعطتني دوافع كثيرة لمواصلة العمل. إذاً الحافز المالي في مجال الترجمة غير مجزٍ.. على سبيل المثال ترجمتي لرواية الحب في زمن الكوليرا التي بيع منها عشرات الآلاف من النسخ تقاضيت عليها 25 ألف ليرة سورية فقط ما يعادل 500 دولار.. وأنا يكفيني محبة الناس التي لا تقدر بثمن وللأسف فإن دخل الترجمة المالي يكون شيئاً إضافياً على راتب العمل وليس أساسياً لذا لا يستطيع أن يعيش المترجم على العائد المالي من الترجمة.

  • ماذا كنت تعمل في السابق؟

كنت أعمل في وزارة الثقافة السورية وتقاعدت عام 2009م والآن أتقاضى راتباً تقاعدياً من عملي السابق.

  • هل أنت الآن عاكف على إنجاز عمل معين؟

بدأت ترجمة إحدى الروايات لسوزا منذ أواخر العام قبل الماضي، ونسبة لأحوالي النفسية نتيجة للأوضاع المأساوية في سوريا عزفت عن العمل.. لأن ما سأقوم به لن يكون بالمستوى الذي أريده. ولمدة عشر سنين لم أترجم شيئاً.. كنت أقيم في سوريا ونسبة للأوضاع الاستثنائية في سوريا انتقلت لأقيم في مملكة إسبانيا منذ 8 أشهر.

وعندما تستقر الأوضاع في سوريا سأعود إليها بلا أدنى شك لأعيش في جو عربي الذي أفضله على كل العالم. ولعلك تعلم أن الأسبوع الذي قضيته هنا في المملكة العربية السعودية شعرت بسعادة كبيرة استعدت فيه معنوياتي وسأعود إلى إسبانيا وأبدأ الترجمة.

  • كيف تجد الروايات العربية مقارنة بالأدب العالمي؟

لا شك أن هناك كتاب روايات عرب مبدعون جداً ولكن لم يلتفت إليهم المهتمون بالروايات. وبلا شك سيأتي اليوم الذي ستتطور فيه الرواية العربية وتأخذ فيه مكانتها الحقيقية ضمن الأدب العالمي.. حتى ما يتم ترجمته من الروايات العربية هي أعمال قليلة، وغالباً تتم عن طريق معرفة شخصية.. ولكن في الحقيقة إن الرواية العربية تحقق قفزات واسعة، وربما كانت للترجمة دور في هذه القفزات، لأن ترجمة الآداب الأجنبية تعلم الروائيين الشباب أن يكتبوا بإبداعات أكثر تطوراً مما كان في الخمسين سنة الماضية، وما زال أملي كبيراً في الرواية العربية، ولا ريب أن هناك أسماء روائيين ولكنني لا أستطيع ذكرهم حيث أخشى أن أنسى أحداً منهم.

  • مَنْ من الروائيين الذين تجد نفسك فيهم وتريد ترجمة رواياته؟

أحب أن أترجم رواية الحب زمن الكوليرا للكولمبي غابرييل غارسيا، وسعيد أنني ترجمتها، ورواية قلم النجار لمانويل ريفاس، وأحب أن أقرأ زوربا كذلك، كل ذلك يعود إلى التقنيات الكتابية العالية.. وأظن أن هذه الروايات غيرها ستكون خالدة؟

  • كيف ترى واقع الثقافة العربية؟

فيما يخص الشعر العربي فإنني أعتقد أن هناك شعراءً شباباً يبدؤون ويتقدمون وآخرون يسيرون ببطء ولكن مع ذلك نجد الشعر العربي بخير، وهناك أسماء كبار في الشعر العربي مهمة.. كذلك لدينا تجارب مهمة في الرواية وفي طريقها إلى التطور، وخصوصاً بعد الترجمات الكثيرة والواسعة من الآداب الأجنبية التي ستعلم الروائيين الفن الروائي والألاعيب الروائية التي لم يذكرها الروائيون عندنا مثل الكذبة الروائية المقنعة التي تجعل كذبه أصدق من الواقع.. جميع الروائيين الذين ترجمت لهم يتميزون بهذه المميزات.. وفي الحقيقة لا أترجم شيئاً إلا بعد أن أحبه، ولست نادماً على أي عمل ترجمته وإن الروايات التي ترجمتها سيكون لها أثر فعال في الروائيين العرب الشباب، كما كان لها أثر في الجيل الماضي.

  • كيف تصف شعورك وأنت في مدينة الرياض ووجدت هذا الكم من المحبة ومن المعجبين في عرس مثل هذا؟

في الحقيقة هذه هي الزيارة الثانية لي لمدينة الرياض لحضور معرض الكتاب عام 2016 م، حيث كان المعرض في موقع آخر غير هذا.. وأنا أعرف أن القراء في المملكة العربية السعودية يتابعون بشكل جيد للترجمات من بينهم روائيون جيدون بالرغم من أن العمل الروائي حديث في المملكة..

 وهناك روائيون سعوديون برزوا عالمياً وذلك باهتمام من ناشرين أجانب.. إضافة إلى ذلك نجد جمهور القراء في المملكة متعطشين لقراءة الكتب والروايات على وجه الخصوص، وأعرف عدداً من الناشرين الذين يؤكدون أن أفضل المعارض ربحية للناشرين هي معرض الرياض وأن الناشر الذي لا يشارك في معرض الرياض يكون خاسراً طول العام، إن معرض الرياض هو الذي يعدل ميزانية الناشرين نسبة للدخول العالية التي تتناسب مع شراء كميات كبيرة من الكتب.

  • هل لديك رغبة في الترجمة من العربية وإلى العكس؟

لا أظن أن الترجمة ستكون مجزية، وأنا أفضل أن يقوم المترجم بالترجمة إلى اللغة الأم التي يستطيع أن يصوغ بها أفكاره بدقة أكبر، أو يصوغ بها ما يقرأه بدقة أكبر، أما إذا حاولت أن أترجم إلى لغة أخرى فلا بد أن تكون هناك مراجعة لأن المترجم قد لا يجيد اللغة العربية، وقد يسئ إلى الترجمة. وسبق أن ترجمت قصصاً قصيرة عام 1981م ولاقت إعجاباً.


اكتشاف المزيد من أخبار معارض الكتب

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من أخبار معارض الكتب

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading