حفلات التوقيع

الروائي سعيد خطيبي: لست مؤرّخا لكني روائيّ أستعين بالتاريخ لفهم الأحداث

الجزائر (بي إف نيوز)- وقع الروائي سعيد خطيبي روايته ” نهاية الصحراء” بجناح منشورات نوفل في معرض الجزائر الدولي للكتاب، المقام حاليا، وهي الرواية المتوّجة بجائزة الشيخ زايد للكتاب.

واستغرق الكتاب عامين من البحث والتوثيق، من أجل كتابة هذه الرواية التي تستعيد جزءا من حقبة تاريخية عاشتها الجزائر خلال الثمانينات.

وقال الروائي سعيد خطيبي في مقابلة نشرت على موقع معرض الجزائر للكتاب، إنه ليس مؤرّخا، ولكنه روائيّ يستعين بالتاريخ لفهم الأحداث..

  • تستحضر رواية ” نهاية الصحراء ” فترة مفصلية من تاريخ الجزائر سنة  1988، لكنك لا تتوغل في تفاصيلها بل تكتفي بها كخلفية، هل هو خيار إبداعي أم رغبة في الهروب من مأزق عاشه جيلك؟

فعلا، تتخذّ رواية “نهاية الصحراء” من أحداث 5 أكتوبر 1988 خلفية لها، ولكن ليس من باب استعادة ما نعرفه، فالجميع يعلم ما حصل من مشاهد مأساوية. إنّما انطلقت من سؤال آخر: كيف وصلنا إلى تلك اللحظة بعد عقدين من الاستقلال؟، بينما النّاس يحلمون بتشييد بلد ويطوفون في أحلام اليقظة، فجأة وقعت المصيبة، نستيقظ صباحا، فماذا نرى؟ جزائريون يقتلون جزائريين في الشّارع، ضحايا بالمئات.

نهاية الصحراء”، الحائزة على جائزة الشّيخ زايد للكتاب 2023، هي رواية وليست كتاب تاريخ، لكن كان لا بدّ من الاستعانة بالتّاريخ قصد فهم ما حصل، فأحداثها تعود إلى حقبة حرب التّحرير، في محاولة البحث عن جذور صراع الخامس من أكتوبر1988، وهي ليست حدثا طارئا، بل ه نتاج تراكمات. إنّ محاولات حصر 5 أكتوبر 1988 في قراءات سياسية محضة يؤكّد، مرّة أخرى، أننا لا ننظر إلى التّاريخ سوى بعين واحدة.

  • تصل الرّواية أخيرا للجزائر بعد أن طافت عدة معارض، لماذا هذا التأخر؟

أنا أيضا بالكاد أفهم ماذا يحصل في مجال الكتاب عندنا، تعلمين أنّ النّشر في الجزائر متعثّر، دور النّشر تصدر كتبا مهمة، لكن يصعب إيصالها إلى قارئ غير جزائري. لماذا نصدر كتبا مادامت الآخرون لا يقرأها الآخرون؟ أليست أهمية الكتاب في خلق حوار مع الآخر؟ مع المختلف عنّا؟ لذلك يضطر كتّاب كثر إلى النّشر في الخارج. وهنا مشقّة أخرى، لأنّ الكتب لا تصل إلى الدّاخل سوى بصعوبة.

مسألة استيراد الكتب في حاجة إلى إعادة نظر، لا يجب أن نتعامل مع الكتب مثل من يستورد عجلات مطاطية أو مفرقعات، هناك سلسلة طويلة من البيروقراطية، والخاسر هو القارئ في الجزائر. لست أتحدّث عن روايتي فحسب، بل الكثير من الكتب المهمة التي تصدر في الخارج لا تصل إلى الدّاخل، على الرّغم من أنّها كتب تهم القارئ في الجزائر بالدّرجة الأولى، الأمر بحاجة إلى إعادة نظر.

  • هل تعتبر طابع الرواية البوليسية الذي اتكأ عليه نصك مناسب فعلا لرواية هذا النوع من الأحداث التي تتخذ من التاريخ خلفية؟

الرّواية البوليسية تطوّرت، بشكل مذهل، في العقود الأخيرة، وبالأحرى، يمكن أن نتحدّث عن أدب الجريمة، هو الخيار الأمثل قصد تشريح مجتمع، قصد تأسيس نقد اجتماعي.

لكن هذا النّوع من الأدب ليس سهلا، لا سيما في المحيط العربي. أدب الجريمة بحاجة إلى فضاء أرحب من الحريّات، وهو أمر ليس متاحا في الغالب، ودائما نتساءل لماذا نجح أدب الجريمة في الغرب وفشل في العالم العربي؟ الإجابة ببساطة لأنّ أدب الجريمة هو المعادل الموضوعي للحرية وللدّيمقراطية. لا يمكن أن ينجح سوى في محيط يتمتع بحرية في التّفكير ويتقبّل النّقد. في الجزائر، أدب الجريمة غير قادر على أن يقف على رجليه، وظلّ محصورا في كتابة كلاسيكية، غير قادرة على متابعة التّطورات التي حصلت. لا يمكن أن نرجو أدبا كبيرا، إلا في فضاء يتيح للكاتب حرية كبيرة.

  • تنطلق جل أعمالك من خلفيّة ثقافيّة في معالجة الأحداث، هل تعتقد أنّ المورث الثقافيّ الجزائريّ ظلم في الاستغلال الرّوائيّ؟

أظن أنّنا لا نزال مجتمعا شفهيا يخاف من الكتابة، فبالعودة مثلا إلى أحداث 5 أكتوبر 1988، رغم انقضاء 35 سنة، لن نعثر على كتب جادّة عن هذه الواقعة،فلم يحصل أن انتظم مؤتمر علمي عنها، لماذا؟ لأن نخشى مواجهة ماضينا، نخجل من ماضينا.

لم تكن كتابة “نهاية الصحراء” أمرا سهلا، بل تطلّبت مني بحثا وتوثيقا، أخذ مني جهد عام من البحث والتّقليب. وهناك الكثير من الوقائع المهمّة التي مرّت من غير أن نكتب عنها، فكم كتابا صدر عن انقلاب 1965؟ كم من كتاب صدر عن الرّبيع البربري 1980؟ عدد قليل للغاية مقارنة بحجم الحدثين. العشرية السّوداء كذلك تحتاج إلى العشرات من الأعمال الأخرى، ومن الأفلام كذلك، ولكننا نعيش ضمن نظرة قاصرة إزاء التّاريخ، فكلّ كاتب ينشر عملا عن تلك العشرية الدّامية، يقال عنه “أدب استعجالي”، وهي كلمة طارئة أطلقها كتّاب لم يمكن لهم موقف من المأساة التي عاشها شعبهم، كتّاب رفضوا المقاومة مع شعبهم،  فصاروا ينعتون كلّ كاتب يكتب عن العشرية السّوداء بأسوأ النعوت.

في فرنسا، مازالوا يكتبون عن الحرب العالمية الثانية، وفي لبنان عن الحرب الأهلية (التي سبقت العشرية السّوداء)، مع ذلك لا أحد ينعتهم بالأدب الاستعجالي، نحن نعيش عقدة من التّاريخ، سوء فهم له.


اكتشاف المزيد من أخبار معارض الكتب

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من أخبار معارض الكتب

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading